فرصة 2025: الجيل الجديد والمعارضة... لتحرير الإرادة العراقية
PM:08:08:12/05/2025
13224 مشاهدة
دلير درويش
+
-
مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، تتجه أنظار الشعب العراقي، بكل مكوناته، إلى صناديق الاقتراع بأمل أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول نحو واقع أفضل. تأتي هذه الدورة الانتخابية وسط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة، لكنها في الوقت ذاته تحمل مؤشرات مهمة على تغييرات جوهرية بدأت تتشكل في وعي الشارع العراقي ومزاجه العام، ما يفتح المجال أمام مرحلة جديدة في مستقبل البلاد.
تشير المعطيات الأولية إلى مشاركة أوسع للقوائم السياسية مقارنة بالانتخابات السابقة، ليس فقط من قبل القوى التقليدية التي ما زالت تحاول إعادة التموضع، بل أيضاً من قبل قوى ناشئة نابعة من قلب الشارع، تتحدث بلسان الناس وتعبر عن تطلعاتهم. هذا التنوع يفتح المجال لتنافس حقيقي على استعادة ثقة المواطن، خاصة أن المزاج الشعبي في المناطق السنية والشيعية وإقليم كوردستان بات ميّالًا للتغيير أكثر من أي وقت مضى.
في المناطق السنية، وبعد سنوات من التهميش والانقسام السياسي، بدأت تظهر محاولات جادة لتوحيد الصفوف وتقديم خطاب جامع يتجاوز الانتماء المناطقي ويضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار. الجمهور السني اليوم أكثر وعيًا، يبحث عن مشروع وطني حقيقي، ويطالب بتمثيل يعبّر عن طموحاته وليس مجرد تكرار لخيبات الماضي.
أما في الوسط والجنوب، فالبيت الشيعي يعيش حالة من الانقسام الداخلي الواضح. قوى تقليدية ما تزال متمسكة بمفاصل الدولة، وأخرى إصلاحية نشأت من رحم الحراك الشعبي ومن جيل تشرين، تسعى لإحداث تغيير جوهري في منهجية الحكم وطريقة إدارة الدولة. هذا الصراع بين القديم والجديد يعكس احتدام الوعي الشعبي، خاصة لدى الشباب، الذين يرفضون تكرار التجارب الفاشلة.
وفي إقليم كوردستان، تزداد علامات الإحباط في أوساط الجيل الجديد، نتيجة لتردي الأوضاع الخدمية، وتراكم الفساد، وغياب العدالة في توزيع الثروات. ومع كل ذلك، فإن الأمل لا يزال حاضرًا من خلال صعود قوى المعارضة، وعلى رأسها "الجيل الجديد"، التي بدأت تُحدث فرقًا واضحًا في المشهد السياسي داخل الإقليم. لم تكتف هذه القوى بالكلام، بل قدمت نماذج نزيهة في العمل السياسي، وخاصة داخل برلمان الإقليم، وفي بغداد، حيث لعب ممثلوها دورًا فعالًا في مراقبة الأداء ومساءلة الفاسدين، ووقفوا مواقف وطنية شجاعة، خصوصًا في المناطق المتنازع عليها.
هنا تتجلى أهمية أن تتوحد المعارضة الكوردية بكل أطيافها، وتنسق مع هذا الجيل الواعد، لا لمناكفة السلطة فحسب، بل لبناء مشروع جامع يخدم مصلحة الشعب الكوردي، ويمنح صوتًا حقيقيًا للمحرومين والمهمّشين، بعيدًا عن لغة الشعارات والانقسامات القومية. فمثل هذا التحالف، بين معارضة مسؤولة وجيل شاب مؤمن بالتغيير، يمكن أن يشكل قوة سياسية هائلة على مستوى العراق كله.
اليوم، لا يبحث الشعب العراقي عن معارضة تصرخ من بعيد، بل عن معارضة منظمة، ذات رؤية، تكون بديلاً حقيقيًا وفعّالًا. وإذا ما استطاعت هذه المعارضة أن تتجاوز خلافاتها الصغيرة، وتبني تحالفًا وطنيًا عابرًا للطوائف والمناطق، فإنها ستفتح أبوابًا جديدة نحو مستقبل أفضل، وتعيد للعملية السياسية توازنها المفقود.
الفرصة قائمة، بل هي ذهبية. و2025 ليست مجرد رقم انتخابي أو جولة عادية من جولات التنافس السياسي. إنها لحظة اختبار حقيقية لإرادة الشعب، وجدية المعارضة، ونضج الجيل الجديد. وإذا استطاعت القوى النزيهة أن تتوحد مع الشباب المتحفز للتغيير، فإن العراق على موعد مع تحول تاريخي، ينهي مرحلة الجمود، ويفتح الباب لمرحلة من العدالة والمواطنة والشفافية.
لقد أثبت نواب الجيل الجديد، خاصة في برلمان كوردستان والمناطق المتنازع عليها، أنهم أكثر من مجرد أصوات معارضة؛ بل كانوا حُماةً للحقوق، وسدًا منيعًا أمام الانزلاقات، وممثلي شعب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إن إشراك هؤلاء في رسم خارطة العراق السياسية ليس مجاملة ولا مغامرة، بل ضرورة وطنية، واستثمار في مستقبل يليق بهذا البلد وشعبه.
دلير درويش
المستشار الإعلامي والأكاديمية